سمنة الأطفال – هل لها أثر على صحتهم في المستقبل؟
سمنة الأطفال – هل لها أثر على صحتهم في المستقبل؟ إعداد أخصائية التغذية :هيا طويل
تدقيق : أخصائية التغذية ايمان كسبي
تعد سمنة الأطفال أحد أهم المشاكل الصحية المنتشرة لدى الأطفال في الوقت الحالي. حيث تشير تقديرات السمنة العالمية في 2020 أن هناك 175 مليون طفل حول العالم تتراوح أعمارهم بين (5-19 سنة) يعانون من السمنة بنسبة 8% من الفتيات و10% من الأولاد. إنها حقا مشكلة، لأن الزيادة في الوزن التي عادة تبدأ بمرحلة الطفولة قد تسبب العديد من الأمراض لاحقا مثل أمراض القلب والشرايين والسكري وارتفاع الكوليسترول في الدم. كما تسبب في فقدان الثقة بالنفس والاكتئاب لدى الأطفال. فيجب اعتبار الأطفال الفئة السكانية ذات الأولوية في استراتجيات التدخل والوقاية من السمنة، وذلك بسبب صعوبة الحد من السمنة عندما تصبح الدهون ثابتة عند البالغين.
ماذا تعني سمنة الأطفال ؟
يتم تعريف سمنة الأطفال حسب مركز السيطرة على الأمراض (CDC) باستخدام منحنى مؤشر كتلة الجسم مقابل العمر للأطفال من عمر 2- 19 عاما عندما يكون مؤشر كتلة الجسم (BMI) على منحنى النمو أكبر من أو يساوي النسبة المئوية 95 (95th percentile). بينما تعتبر السمنة شديدة عندما يكون مؤشر كتلة الجسم أكبر من أو يساوي النسبة 120 (120th percentile). بينما للأطفال الأصغر من عامين يوصي مركز السيطرة على الأمراض استخدام منحنى النمو للوزن مقابل الطول من منظمة الصحة العالمية (WHO) وليس باستخدام منحنى مؤشر كتلة الجسم (BMI).
أنواع منحنيات النمو التي تستخدم لتحديد سمنة الأطفال
1) منحنيات النمو من منظمة الصحة العالمية (WHO)
يستخدم منحنى النمو من منظمة الصحة العالمية (WHO) للأطفال دون سن العامين . بناء على الوزن والطول للجنسين . ويتم معرفة النسبة من خلال تقاطع خط الوزن مع خط الطول .
- منحنى نمو الوزن- الطول (للذكور)
- منحنى نمو الوزن – الطول (للإناث)
2) منحنيات النمو من مركز مكافحة الأمراض (CDC)
تعتمد منحنيات النمو من مركز مكافحة الأمراض (CDC) على مؤشر كتلة الجسم بالنسبة للعمر حسب الجنس . ويتم استخدامه لمراقبة نمو الأطفال من عمر (2-19 سنة) . وهي تختلف عن البالغين ، حيث أن للبالغين تعتمد فقط على مؤشر كتلة الجسم. ويتم معرفة النسبة من خلال تقاطع خط مؤشر كتلة الجسم مع العمر .
- منحنى مؤشر كتلة الجسم-العمر (للذكور)
- منحنى مؤشر كتلة الجسم- العمر (للإناث)
مسببات سمنة الأطفال
تقسم مسببات سمنة الأطفال إلى قسمين. القسم الأول وهو الأكثر شيوعا وهي العوامل الخارجية، وتشكل نسبة (95-99%) من سمنة الأطفال. أما القسم الثاني وهو الأقل شيوعا وهو العوامل الداخلية أو العضوية، وتشكل (1- 5%) من سمنة الأطفال .
عوامل خارجية
تعتبر العوامل الخارجية الأكثر شيوعا لمسببات سمنة الأطفال. إن الأطفال المصابين بالسمنة بسبب العوامل الخارجية يتمتعون بصحة جيدة سريريا. ومن الأمثلة على العوامل الخارجية : العوامل الوراثية، البيئية، كثرة تناول الطعام، قلة ممارسة الرياضة، الحالة النفسية .
العامل الوراثي
هناك العديد من الدراسات تبحث عن علاقة الجينات بالسمنة . ووجدت بعض الدراسات أن زيادة الوزن المفرطة تأتي من تفاعلات بين العوامل البيئية والاستعداد الوراثي و السلوكيات الفردية. وأن سمنة الأباء تزيد من خطر إصابة الأطفال أيضا بالسمنة. وأظهرت الدراسات إذا كان كلا الوالدين يعانيان من السمنة فإن احتمال إصابة الأطفال بالسمنة 75%. أما إذا كان أحد الوالدين يعاني من السمنة فإن النسبة تصبح 50%.
العامل الإجتماعي والبيئي
تلعب العوامل الاجتماعية والبيئية دورا مهما في السمنة. حيث ثبت أن الأشخاص غير الأقارب الذين يعيشون بنفس البيت يشبهون بعضهم البعض في تناول الطعام وممارسة الرياضة . حيث قام جارن بدراسة 429 زوجا من الآباء الذين تبنوا أطفال وكان لديهم أيضا أطفال بيولوجيون. فوجد أن نسبة السمنة بين الأطفال المتبنون والبيولوجيون كانت متشابهة. وبالتالي فإن العامل الإجتماعي و البيئي المتعلق في التفكير بالغذاء وتناول الطعام وممارسة الرياضة يلعب دورا مهما في تطور السمنة .
تناول الطعام
من الصعب الحصول على تقييم دقيق للكمية المتناولة من الغذاء. وذلك بسبب اختلاف تفسير الأشخاص للكمية التي يتناولونها. يعتقد أن السمنة أكثر انتشارا في الأسر ذات الدخل المنخفض والأسر الكبيرة بسبب تناول النظام الغذائي العالي في الكربوهيدرات. وبما أن السمنة ترجع بسبب تناول كمية أعلى من الطاقة التي يحتاجها الشخص فإن تناول الطعام هو الأساس في هذه المشكلة والمعالج لها.
الرياضة
تسهم ممارسة الرياضة في زيادة كمية الطاقة المنتجة ولذلك تعتبر مهمة. وجدت (دراسة) أن 85% من الإناث و 75% من الذكور من هم في عمر (13-15سنة) من سبع دول عربية لا يمارسون الرياضة الموصاة لهم وهي ساعة واحدة يوميا. فتعتبر الرياضة آلية مهمة لحرق الطاقة وبالتالي يجب ممارستها والتقليل من فترة الجلوس.
الحالة النفسية
قد تسبب المشاكل النفسية السمنة . قد تدل الزيادة في تناول الطعام وسيلة للتعامل مع الاكتئاب أو القلق أو الإحباط لدى الطفل أو الأسرة. تنتشر السمنة عند الأطفال الوحيدين أو من لديهم والد واحد من أحد الوالدين. وقد يكون ذلك بسبب التعويض اللاواعي بالإسراف في الحب بتقديم الطعام .
عوامل داخلية أو عضوية
تقسم العوامل الداخلية أو العضوية للسمنة إلى ثلاث أقسام. وهي متلازمة الغدد الصماء و تحت المهاد و خلل في الجينات. ترتبط هذه العوامل بالعموم بقصر القامة، ضعف النمو، والسمات السريرية غير الطبيعية .
متلازمة الغدد الصماء
تتميز متلازمة الغدد الصماء بقصر القامة و بطئ في زيادة الطول و السمنة. وتشمل :
قصور الغدة الدرقية
نقص في هرمون النمو حيث يكون الطفل قصير القامة مع وزن أكبر من الطول المئوي .
متلازمة كوشينج (Cushing syndrome)
حيث تتمركز السمنة في منطقة الجذع. بالإضافة إلى ذلك قد يعاني الطفل من تضخم الوجه وارتفاع ضغط الدم والتشققات .
متلازمة تحت المهاد
من الأسباب النادرة لمتلازمة تحت المهاد ورم الدماغ. ولها سمات سريرية مثل الزيادة في الوزن وقصر القامة. أو سمات عصبية مثل ارتفاع الضغط داخل الجمجمة.
خلل في الجينات
- متلازمة برادر – ويلي :- إن الأطفال المصابين بمتلازمة برادر ويلي يكون عندهم رخاوة في العضلات . فعادة يحتاجون إلى أنبوب التغذية خلال فترة حديثي الولادة . فيمتازون بقصر القامة ووزن طبيعي في البداية. ولكن في السنة الثانية يصابون بالسمنة بسبب فرط الأكل. فإذا لم تعالج ستتطور. وعادة يعانون أيضا من إعاقة ذهنية وقصور في الغدد التناسلية. ويتم تشخيص متلازمة برادر -ويلي عن طريق فحص الكروموسومات ووجود شذوذ في كروموسوم 15. وقد أدى التدخل الغذائي المبكر والعلاج بهرمون النمو تحسن النتيجة بشكل كبير .
- متلازمة لورنس مون : يعاني الأطفال المصابين بمتلازمة لورنس مون أيضا من قصر القامة والسمنة وإعاقة ذهنية وزيادة في عدد الأصابع و التهاب الشبكية الصباغي وقصور في الغدد التناسلية. حيث تعتبر متلازمة لورنس مون حالة وراثية متنحية نظرا للإعاقة الدهنية المرتبطة بها. إن التشخيص المبكر والاستشارة الوراثية أمر ضروري.
- الحثل العظمي الوراثي وفق البورايت : يرتبط الحثل العظمي الوراثي بقصر القامة والإعاقة الذهنية و نقص كالسيوم الدم وذلك بسب عدم الاستجابة لهرمون الغدة الدرقية .
كيف تؤثر سمنة الأطفال على صحتهم حاليا وفي المستقبل ؟
تسبب سمنة الأطفال مشاكل على صحتهم سواء في فترة الطفولة أو في المستقبل. حيث أنها ترتبط بزيادة الانسولين و عامل النمو المشابه لهرمون انسولين -1 و عوامل الالتهابات ومتلازمة تكيس المبايض عند الإناث ومتلازمة الأيض . بالإضافة إلى ذلك يعاني بعض الأطفال المصابين بالسمنة من التنمر الاجتماعي ويتعرضون للمضايقة من قبل أقرانهم في المدرسة وعادة ما يكون تحصيلهم الدراسي والاجتماعي ضعيف. وقد ثبت أن الأطفال المصابين بالسمنة ليس فقط قد يعانون من الإصابة بالسمنة في المستقبل بل أيضا لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب و السكري أكثر من الأطفال الذين لا يعانون من السمنة خلال فترة الطفولة. ووجدت (دراسة) أن 75.27% من الأطفال المصابين بالسكري من كل الجنسيات والأعراق يعانون من السمنة. وبالتالي فإن منع حدوث ومعالجة السمنة في مرحلة الطفولة أمر وقائي من الإصابة بالسكري النوع الثاني. يعتبر ارتفاع ضغط الدم مشكلة مهمة في مرحلة الطفولة. حيث أجريت (دراسة) تربط بين ارتفاع ضغط الدم والسمنة لدى الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وكانت نتيجة هذه الدراسة أن الأطفال السودانيون المصابون بالسمنة لديهم خطر نسبي مرتفع للإصابة بارتفاع ضغط الدم الانقباضي مقارنة بأقرانهم ذوو الوزن الطبيعي، وكذلك أيضا لدى المراهقون التونسيون. بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم توجد متلازمة تصيب الأطفال المصابين بالسمنة وهي متلازمة نقص التهوية البدان. حيث ترتبط هذه المتلازمة مع النوم وتسبب توقف التنفس عند النوم ونقص التهوية.
قد يعجبك أيضا قراءة مقال الزميلة نهى بدر بعنوان (البلوغ المبكر وعلاقته بسمنة الأطفال)
طرق الوقاية من أو معالجة سمنة الأطفال
قد يتعرض الأطفال المصابون بالسمنة لخطر كبير للإصابة بالسمنة أيضا في المستقبل. بالإضافة إلى خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وحصوات المرارة والتهاب المفاصل. وبسبب ذلك فإن الوقاية من سمنة الأطفال وعلاجها أمر مهم. ومن الأمثلة على طرق الوقاية أو معالجة سمنة الأطفال :
- تثقيف ودعم العائلة :- يعد تثقيف العائلة بمواضيع نمط الحياة الصحي أمرا مهما. ويبدأ التثقيف من فترة الحمل، فتعليم الأم عن النظام الغذائي المناسب لها أثناء الحمل وما بعد الولادة وممارسة الرياضة يزيد وعيها واهتمامها بصحتها وصحة أولادها في المستقبل. ويستمر هذا التثقيف والدعم خلال مرحلة طفولة الأطفال. ومن التوصيات المهمة بهذا الشأن أن تكون مقابلة الأخصائيين الصحيين كالأطباء وأخصائيي التغذية مع الوالدين وكل من له علاقة بالاهتمام بالطفل كالمريية إن وجدت، وأن تشمل هذه المقابلة تشجيع الأم على الرضاعة الطبيعية و معرفة النظام الغذائي المناسب للأم والطفل وممارسة الرياضة. وقد ظهر عدم وعي الآباء لمشكلة سمنة الأطفال خصوصا للآباء الذين يعانون أيضا من السمنة.
- محتويات النظام الغذائي: يجب أن يكون النظام الغذائي للعائلة صحيا ومستساغا ويحتوي على كمية كبيرة من الألياف والبروتين وكمية قليلة من الكربوهيدرات المصنعة والدهون و الأملاح بالإضافة إلى أن يكون سعره مقبولا. يشجع أفراد العائلة على تناول الخضراوات والفواكة يوميا وشرب الماء بكميات كافية. كما ينتبه للتقليل من تناول الحلويات وشرب المشروبات الغازية. في حالة الأطفال المصابون بالسمنة يجب التقليل من السعرات الحرارية بشكل طفيف وليس بالحرمان أو تخفيف السعرات بشكل كثيف، حيث أن تقليل الكربوهيدرات بشكل مبالغ فيه قد يسهم بظهور الكيتونات في البول مما يعني أن النظام الغذائي للطفل شديد التقيد، وينتبه لهذه النقطة خاصة أثناء فترة البلوغ لأن ذلك قد يقلل من طفرة نمو المراهقين ويقلل من الطول النهائي للبالغين.
- ممارسة الرياضة:- يوصى جميع أفراد الأسرة بممارسة الرياضة على الأقل ساعة واحدة يوميا. وزيادة طبيعة النشاط البدني خلال اليوم وذلك بالتقليل من ساعات مشاهدة التلفاز أو اللعب على الهواتف الذكية لساعة واحدة فقط مثلا وتجنب وضع التلفاز في غرف الأطفال. على المدرسة توفير حصة رياضة ضمن المناهج المدرسية. وعلى الدولة توفير أماكن آمنة لممارسة الرياضة مثل المشي وركوب دراجة الهوائية وأماكن ذات دخولية منخفضة مثل المسابح .
- دور المدرسة :- تعد البيئة المدرسية مهمة جدا حيث تؤثر على المعرفة التغذوية وأنماط الأكل والنشاط البدني للطفل. يمكن أن يساهم نظام المدرسة بالسيطرة على وزن الطفل وذلك بألا يحتوي مكان بيع الطعام/ المقصف على أطعمة مليئة بالسعرات الحرارية والدهون المتحولة والمهدرجة. بل يشجع الأطفال على تناول صندوق غذائهم الخاص المحتوي على وجبة متوازنة. وفي بعض المدارس (مثل مدارس أكاديمية الحفاظ/ الأردن) تكون وجبة الغذاء داخل المدرسة ويجب أن تكون مدروسة وملائمة لحاجات الطلاب تغذويا من حيث الكمية والتنوع. ومن ناحية الرياضة يجب توفير حصص رياضة ضمن المناهج في المدرسة وتشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة.
يمكنك أيضا قراءة مقال الزميلة : الاء الرفاعي بعنوان ( حقيبة الطعام المدرسية)
في الختام، من الواضح كيف تؤثر سمنة الأطفال على صحتهم الجسدية والنفسية. فالوقاية من سمنة الأطفال تحتاج أولوية عالية من قبل الأسرة والمدارس والحكومات. فيعد تثقيف الأسرة ودعمها لأسلوب نظام حياة صحي بما في ذلك النظام الغذائي وممارسة الرياضة أمرًا مهمًا في تشجيع الطفل لإنقاص وزنه وفاعلا أكثر من الأدوية أو العمليات الجراحية ذات العلاقة في السمنة.
المراجع العلمية
- مقال بعنوان (سمنة الأطفال) من موقع MAYO CLINIC
- مقال بعنوان(السيطرة على سمنة الأطفال) من جامعة Cambridge
- مقال بعنوان( تعريف مؤشر كتلة الجسم لدى الأطفال) من CDC
- دراسة بعنوان (انتشار السمنة بين لأطفال الذين يعانون من مرض سكري النوع الثاني)
- دراسة بعنوان (مراجعة منهجية للسمنة لدى الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التأثير الصحي والإدارة)
- ) مقال بعنوان ( سمنة الأطفال حول العالم) من موقع Obesity Evidence Hup
- مقال بعنوان ( عادات الأكل غيرالصحية وقلة ممارسة الرياضة والتصرفات الخمولية لدى المراهقين العرب ) من موقع سيبتار